/الاديب-حنان درويش/
صفحة 1 من اصل 1
/الاديب-حنان درويش/
ولدت في مصياف .. بدأت الكتابة بسن مبكرة حيث اهتمت بالشعر أولا .. وكانت القصة هاجسا لا يبرح .. عملت في التعليم لفترة طويلة ... كما عملت في نقابة المعلمين مسؤولة عن المكتب الثقافي .. وعملت في المكتب الصحفي في تربية حماة .. وفي المركز الثقافي في مصياف .. وفي المكتب الثقافي في محافظة حماة .. نشرت في عدة صحف ومجلات عربية .. عضو اتحاد الكتاب العرب ، عضو رابطة المسبار للإبداع العربي ، عضو اتحاد الصحفيين ... فازت بعدة جوائز عربية .. من أعمالها: (( ذلك الصدى )) قصص1994((فضاء آخر لطائر النار )) قصص1995((وعادت العصافير )) قصص للأطفال 1996(( بوح الزمن الأخير )) قصص 1998((حكمة الهدهد)) قصص للأطفال 2000 .. من الجوائز التي نالتها : جائزة الشيخة فاطمة لقصة الطفل العربي في أبو ظبي عام 2000.. وجائزة تحية لأطفال الانتفاضة /وزارة الثقافة في سورية 2001...
آخر الهدايا
قالت... وسنواتها السبعون تجرّ خيطاً من ذكريات، والشيب يملأ الرأس والقلب، والحديث عن الصبا له في الفم حلاوة السكرّ:
- لو تعلمين ..كم كنت جميلة أنيقة وفريدة الحضور ! لو تعلمين.. كم شغلت الحياة بي، وشغلتُ بالحياة.. البهجة كانت رفيقتي، والزهو صنوي، والتألّق صديقي. كان يا ماكان، في قديم الزمان، والعمر يذوي، والوقت قطعة ثلج تذّوب، تذوب، ثم تنتهي، والشباب ربيع، والربيع أقصر الفصول.. آه.. تابعت حديثها عن ذكرياتها بشغف وتوق، وتمنيّت ألاّ تصمت.. فكلّ كلمة كانت تخرج من بين شفتيها تشدّني كي أصغي أكثر، واستمرئ الاستماع.. فمازال في نطقها بقية من براعة، وفي مخارج حروفها لكنة محببّة، وفي حركة يديها صورة امرأة عاشت وعايشت، وعانقت الدنيا طولاً وعرضاً.. وإن بدت بيادر اليأس تتزاحم في عينيها العجوزين، فلأن سفنها أسلمت مراسيها للريح، ولأنّ الزمن حطّاب نشيط، ولأنّ تخوم السنّ تلوّح لها بمنديل.
أطبقت جفنيها، وفتحتهما، ثم عادت تسردلي:
- " كنت أثيرة لدى زوجي.. يحبّني، ولا يرفض لي طلباً، ولا يتوانى عن تلبية أمر لي رغبة به ..أقول للشيء كن فيكون.. كيف لا !.. وأنا أميرة زماني، وسيدّة وقتي، والدمية المدللّة لديه.. زوجي كان إنساناً ذكيّاً، وشهماً، وكريماً، وسيّد الرجال.. لكن !.
- لكن ماذا ؟
- كان فيه عيّب معيّن.
- ماهو ؟
- لم يقدّم لي خلال سني عمري معه سوى هديّة واحدة.
- ماهي ؟
- حذاء أحمر ... وكان ذلك في مستهلّ حياتنا الزوجيّة.
فقد عاد إليّ ذات يوم يضجّ بهجة وسعادة، يحمل بين يديه كيساً أنيقاً.. قال لي:
- افتحي الكيس، وشاهدي ماذا أحضرت لك.
وبشوق الأنثى ورغبتها وضعفها أمام هديّة الرجل، اندفعت لأرى ماذا أحضر لي ..وبسرعة خاطفة، وقبل أن أنعم النظر جيداً، ارتسمت على وجهي علامات غضب مفاجئ.. رميت مابيدي جانباً وأنا أغمغم:
- إنّه ليس جميلاً، ولا أنيقاً، ولا يناسب ثيابي .
بهدوء أجاب:
- لا بأس، لابأس.. إذهبي غداً، واستبدليه بما يلائمك ويرضي ذوقك.
في اليوم التالي..
ذهبت وجارتي إلى سوق الحميديّة ... توجهّت صوب المكان الذي دُللت إليه.. قلّبت مافيه من أحذية، فلم يعجبني أي حذاء.. استعرضت دكاكين السوق من أوّله إلى آخره أكثر من مرّة فلم أحظ بما أريد.
تفحصت عشرات المحلاّت.. جرّبت عشرات الموديلات.. تناولت عشرات الألوان.. ثم عدّت في آخر النهار، وبصحبتي الحذاء الأحمر .
دخلتُ البيت.. حدّق زوجي إلى الكيس، ثمّ إلى وجهي.. وعلى عجل، قرأ على ملامحي إشارات ودلالات تخالطها معان كثيرة. ابتسم..
ابتسمت..
وكان الحذاء الأحمر آخر هداياه لي.
آخر الهدايا
قالت... وسنواتها السبعون تجرّ خيطاً من ذكريات، والشيب يملأ الرأس والقلب، والحديث عن الصبا له في الفم حلاوة السكرّ:
- لو تعلمين ..كم كنت جميلة أنيقة وفريدة الحضور ! لو تعلمين.. كم شغلت الحياة بي، وشغلتُ بالحياة.. البهجة كانت رفيقتي، والزهو صنوي، والتألّق صديقي. كان يا ماكان، في قديم الزمان، والعمر يذوي، والوقت قطعة ثلج تذّوب، تذوب، ثم تنتهي، والشباب ربيع، والربيع أقصر الفصول.. آه.. تابعت حديثها عن ذكرياتها بشغف وتوق، وتمنيّت ألاّ تصمت.. فكلّ كلمة كانت تخرج من بين شفتيها تشدّني كي أصغي أكثر، واستمرئ الاستماع.. فمازال في نطقها بقية من براعة، وفي مخارج حروفها لكنة محببّة، وفي حركة يديها صورة امرأة عاشت وعايشت، وعانقت الدنيا طولاً وعرضاً.. وإن بدت بيادر اليأس تتزاحم في عينيها العجوزين، فلأن سفنها أسلمت مراسيها للريح، ولأنّ الزمن حطّاب نشيط، ولأنّ تخوم السنّ تلوّح لها بمنديل.
أطبقت جفنيها، وفتحتهما، ثم عادت تسردلي:
- " كنت أثيرة لدى زوجي.. يحبّني، ولا يرفض لي طلباً، ولا يتوانى عن تلبية أمر لي رغبة به ..أقول للشيء كن فيكون.. كيف لا !.. وأنا أميرة زماني، وسيدّة وقتي، والدمية المدللّة لديه.. زوجي كان إنساناً ذكيّاً، وشهماً، وكريماً، وسيّد الرجال.. لكن !.
- لكن ماذا ؟
- كان فيه عيّب معيّن.
- ماهو ؟
- لم يقدّم لي خلال سني عمري معه سوى هديّة واحدة.
- ماهي ؟
- حذاء أحمر ... وكان ذلك في مستهلّ حياتنا الزوجيّة.
فقد عاد إليّ ذات يوم يضجّ بهجة وسعادة، يحمل بين يديه كيساً أنيقاً.. قال لي:
- افتحي الكيس، وشاهدي ماذا أحضرت لك.
وبشوق الأنثى ورغبتها وضعفها أمام هديّة الرجل، اندفعت لأرى ماذا أحضر لي ..وبسرعة خاطفة، وقبل أن أنعم النظر جيداً، ارتسمت على وجهي علامات غضب مفاجئ.. رميت مابيدي جانباً وأنا أغمغم:
- إنّه ليس جميلاً، ولا أنيقاً، ولا يناسب ثيابي .
بهدوء أجاب:
- لا بأس، لابأس.. إذهبي غداً، واستبدليه بما يلائمك ويرضي ذوقك.
في اليوم التالي..
ذهبت وجارتي إلى سوق الحميديّة ... توجهّت صوب المكان الذي دُللت إليه.. قلّبت مافيه من أحذية، فلم يعجبني أي حذاء.. استعرضت دكاكين السوق من أوّله إلى آخره أكثر من مرّة فلم أحظ بما أريد.
تفحصت عشرات المحلاّت.. جرّبت عشرات الموديلات.. تناولت عشرات الألوان.. ثم عدّت في آخر النهار، وبصحبتي الحذاء الأحمر .
دخلتُ البيت.. حدّق زوجي إلى الكيس، ثمّ إلى وجهي.. وعلى عجل، قرأ على ملامحي إشارات ودلالات تخالطها معان كثيرة. ابتسم..
ابتسمت..
وكان الحذاء الأحمر آخر هداياه لي.
مواضيع مماثلة
» /الاديب-سعد فرحان /
» /الاديب-ابن خلدون/
» /الاديب-إبراهيم الأسطى عمر/
» /الاديب-حسين سرحان/
» /الاديب-إبراهيم محمد بري/
» /الاديب-ابن خلدون/
» /الاديب-إبراهيم الأسطى عمر/
» /الاديب-حسين سرحان/
» /الاديب-إبراهيم محمد بري/
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى