//عتبة بن غزوان//
صفحة 1 من اصل 1
//عتبة بن غزوان//
أوى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعد صلاة العشاء إلى مضجعه فقد كان يريد أن يصيب حظاً من الراحة ؛ ليستعين به على العسِّ في الليل .
لكن النوم نفر عن عيني الخليفة ؛ لأن البريد حمل إليه أن جيوش الفرس المنهزمة أمام المسلمين يأتيها المدد من هنا وهناك ، فلا تلبث أن تستعيد قوتها وتستأنف القتال .
وقيل له : إن مدينة الأُبُلَّة تعد من أهم المصادر التي تمد جيوش الفرس فعزم على أن يرسل جيشاً لفتح الأبلة ، وقطع إمداداتها عن الفرس لكنه اصطدم بقلة الرجال عنده ... فعمد إلى طريقته التي عرف بها وهي التعويض عن قلة الجند بقوة القائد .. وكان قد أضمر في نفسه الشخص الذي يصلح لذلك .
ولما أصبح الصبح قال : ادعوا لي عتبة بن غزوان ، وعقد له الراية على ثلاثمائة وبضع عشر رجلاً ... ولما عزم الجيش الصغير على الرحيل ، وقف الفاروق يودِّع عتبة ويوصيه قائلاً :
يا عتبة : إني قد وجهتك إلى أرض الأبلة ، فأرجوا الله أن يعينك عليها ، فإذا نزلت بها فادع قومها إلى الله ، فمن أجابك فاقبل منه ، ومن أبى فخذ منه الجزية ، وإلا فضع في رقابهم السيف ... واتق الله يا عتبة فيما وُليت عليه ، وإياك أن تنازعك نفسك في كبر يفسد عليك آخرتك واعلم أنك صحبت رسول الله فأعزك الله بعد الذلة ، وقواك بعد الضعف حتى صرت أميراً مطاعاً ، تقول فيسمع منك فيا لها من نعمة إذا هي لم تبطرك ، وتخدعك ، وتهو بك إلى جهنم ، أعاذك الله وأعاذني منها .
ـ كانت الأبلة التي اتجه إليها عتبة بن غزوان مدينة حصينة ، وكان الفرس قد اتخذوها مخازن لأسلحتهم ، ولكن ذلك لم يمنع عتبة من غزوها ، على الرغم من قلة رجاله ، وضآلة سلاحه ، وكان لابد له من أن يستعمل ذكاءه :
ـ أعدَّ عتبة للنسوة رايات ، أعدها على أعواد الرماح ، وأمرهن أن يمشين بها خلف الجيش ، وقال لهن : إذا نحن اقتربنا من المدينة ، فأثرن التراب وراءنا حتى تملأن به الجو ... فلما دنوا من الأبلة ، خرج إليهم جند الفرس فرأوا إقدامهم عليهم ، ونظروا إلى الرايات التي تخفق وراءهم ، ووجدوا الغبار يملأ الجو خلفهم ، فقال بعضهم لبعض: إنها طليعة العسكر ، وإن وراءهم جيشاً جراراً ، يثير الغبار ، ونحن قلة..
ثم دبَّ في قلوبهم الذعر ، فأخذوا يحملون ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه ويفرُّوا هاربين .
ودخل عتبة الأبلة دون أن يفقد واحداً من رجاله ، ثم فتح ما حولها من المدن والقرى ، وغنم من ذلك غنائم كبيرة .
ـ عند ذلك رأى عتبة أن إقامة جنوده في المدن المفتوحة سوف تعودهم على لين العيش ، وتفلُّ من حدة عزائمهم على مواصلة القتال . فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في بناء مدينة البصرة ، فأذن له .
ـ اختط عتبة المدينة الجديدة ، وكان أول ما بناه مسجدها العظيم ، ثم تسابق الجند على اقتطاع الأرض وبناء البيوت ، لكن عتبة لم يبق لنفسه بيتاً ، وإنما ظل يسكن خيمة من الأكسية، وكان قد أسرَّ في نفسه أمراً..
فجمع الناس في مسجد الكوفة ، وقال : أيها الناس إن الدنيا قد آذنت بالانقضاء ، وأنتم منتقلون عنها إلى دار لا زوال فيها ، فانتقلوا إليها بخير أعمالكم ، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله وما لنا طعام غير ورق الشجر ، حتى تقرحت أشداقنا منه ، ولقد التقطت بردة ذات يوم فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص ، فاتزرتُ بنصفها ، واتزر سعد بنصفها الآخر ، فإذا نحن لم يبق واحد منا إلا وهو أمير على بلد من البلاد ، وإني أعوذ بالله أن أكون عظيماً في نفسي .. صغيراً عند الله .
ثم استخلف عليهم رجلاً منهم وودعهم ومضى إلى المدينة ، فلما قَدم على الفاروق ، واستعفاه من الولاية فلم يعفه ، فألح عليه ، فأصر عليه الخليفة ، وأمره بالعودة إلى البصرة ، فأذعن لأمر عمر كارهاً ، وركب ناقته وهو يقول :
اللهم لا تردني إليها ... فاستجاب الله دعوته إذ لم يبعد عن المدينة كثيراً حتى فارق الحياة .
*****
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى