منتديات الجيلالي بونعامة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

/الاديبة-ابتسام شاكوش/

اذهب الى الأسفل

/الاديبة-ابتسام شاكوش/ Empty /الاديبة-ابتسام شاكوش/

مُساهمة من طرف ahmed_you7 السبت ديسمبر 27, 2008 10:59 am






روائية و قاصة سورية .

عضو اتحاد الكتاب العرب ، عضو جمعية القصة والرواية السورية ، فازت بجوائز عديدة في الرواية والقصة آخرها جائزة الرواية العربية بدمشق عن دار الفكر ‏2002‏‏-‏12‏‏-‏14‏، لها العديد من الأعمال الروائية والمجاميع القصصية في المكتبة العربية



من إبداعها :

تهويمات ضبابيه


رفع ذيل سترته بيديه، دس كفيه عميقاً في جيوب بنطاله، ومشى مطرقاً يحصي بلاطات الرصيف: واحدة، اثنتان، ثلاث، أربع...‏
إلى أي رقع سيصل؟ ما كان يدري فالرصيف طويل يتصل بأرصفة الحارات الأخرى حتى تبدو كلها وكأنها قطعة واحدة ابتسم هادئاً ولم أحصيها؟ هل أنا إلا بلاطة مثل هذه البلاطات؟ بل أنا البلاطة المهزوزة في رصيف الحياة، مازلت مذ وعيت، أفرد خدي لتنزلق عليه الإهانات من اليقظة حتى النوم، أتلقاها من أبي من أمي، من جارتنا، من المعلم في المدرسة من الحشد المتجمهر على باب الفرن، حتى حين أخلو بنفسي، لا أنجو، يخرج من داخلي شبح يلبس أقنعتهم جميعاً، ويقف أمامي، يعزف أنغامهم، يردد كلماتهم ويحصي عليّ اختلاجات فؤادي.‏

سحب يده من جيبه فاصطدمت عفواً بحقيبة امرأة تعبر الرصيف توقف وفي عينيه اعتذار، رمقته المرأة بنظرة جوفاء أوجعت ضميره وتابعت سيرها، سار خلفها خطوات، احتار في تفسير نظرتها فهمّ أن يلحق بها ليبدي أسفه ويعتذر عما حصل، ليشرح لها أنه كان ذاهلاً يفكر بـ...‏

لا، يجب ألا يوجع رأسها بهمومه وما شأنها بما يعانيه؟ سيتعذر فقط ويقول لها إنه ما كان يقصد ذلك وارتجف: ماذا كان يقصد إذاً؟ لعلها ظنته عابثاً عديم الأخلاق، أو ربما حسبته نشالاً يمد يده لسرقة مالها، وهو حريص كل الحرص على التمسك بالفضائل، لا بد أن يعتذر بل يجب أن يعتذر.‏

استدار راجعاً وبحث عنها بعينيه تذكر أنها كانت تقطع الرصيف بشكل عرضاني لا بد أن يراها في أحد المتاجر القريبة، عاد بفكره إلى حيث اصطدم بها، كان ذلك أمام مدخل بناء كبير، مؤلف من عدة طوابق أتراها دخلت إلى هناك؟ إلى أية شقة، وفي أي طابق؟ أهي ساكنة هنا؟ أم زائرة؟ كيف سيبحث عنها؟ من سيسأل؟ من هي؟ ما اسمها؟ راحت التساؤلات تنهمر على دماغه صلبة موجعة باردة كحبات البَرَد، انهار عزمه تحت وقعها وتراجع مسحوقاً يجلد نفسه بالتأنيب ويحاصر روحه بالتهم.‏

أنا غبي لا أستحق الحياة ليتني أموت، ليتني أعرف حدود المثالية لأتقيد بها ولا أتعداها، لكن ما يرضي أمي يغضب أبي، وما يرضيهما يغضب المعلم، وما يرضي الجميع يغضب رفاقي وأنا حريص ألا أغضب أحداً، الدنيا ضيقة لا تتسع لي، موتي أفضل الحلول يخلصني ويريح من هم حولي من مشاكلي، أنا عبء ثقيل على نفسي لا بد لي من الموت، ليته يأتي سريعاً ليتني أرتاح.‏

شد عليه سترته بقوة إذ أحس بالبرد يزداد حدة، رفع رأسه ونظر إلى الأمام شاهد أنفاسه تتدفق من فمه إلى الهواء البارد كأمواج الدخان، اقتحمه خاطر مفاجئ: لم لا يدخن؟ التدخين ضار وهو يتمنى الموت هذا إذاً طريق سهل ممتع فليجرب.‏

فتش جيوب بنطاله فما وجد سوى منديلٍ ورقيٍّ مستعملٍ، رماه على الأرض وتابع البحث، أخرج يديه فأحس بلسعة البرد لم يبال بها، فتش جيوب القميص والجاكيت عثر على منديل ورقي آخر لكنه نظيف أهمله وتابع التنقيب توقف حين لامست أصابعه حبات المسبحة التي أهدتها إليه زينب رفيقته الذكية التي تجلس خلف مقعده في غرفة الصف أهدتها إليه بشكل خفر لذيذ، أدركت رغبته بامتلاكها من تعلق نظره بها فوضعتها فوق درجه وتظاهرت بنسيانها، ابتسمت له بسمة مضيئة رائعة وهو يلتقط المسبحة ويضعها في جيبه، وحارَ كيف يهرب منها ومن النار التي اشتعلت بوجنتيه فجعلت عضلات وجهه تتقلص استعداداً للبكاء أعاد المسبحة إلى جيبه وتذكر أنه احتفظ بالقروش المتبقية من ثمن الخبز لم يرجعها إلى أمه بعد، أخرجها من جيبه عدها ودلف إلى أقرب دكان اشترى علبة تبغ وعلبة كبريت وتابع السير.‏

قادته قدماه إلى جسر مرتفع مخصص لعبور المشاة، وقف فوقه يرصد الشارع هاله أن وجد الدنيا تغرق في بحر من الضباب، وهو وحيد خائف أعزل، الطريق منقطع به، اجتاحه رعب مميت تمسك بالمسبحة عله يستمد منها بعض الأمان، أعطته شعاعاً ضئيلاً ما استطاع اختراق ظلمات نفسه الضباب ضياغ يبتلع المدينة بأسرها، ويقف هو على حافة جرفه الهائل أبوه هناك في البيت لا بد أن يكون غاضباً منه، فهو لم يخبر أحداً ولم يستأذن قبل خروجه من البيت، بحر الضباب يزداد حوله صفاقة الأشجار والمباني التي كانت قبل قليل تبدو لعينيه كالأشباح اختفت كلياً، وما تزال أمواج الضباب تتدفق من تحت الجسر تلفت مذعوراً سيخرج التنين من هنا لا من هناك، من الخلف، من الأمام، التنين وحش من فصيلة الأفاعي له رؤوس سبعة تنفث النار، سيحرقه حتماً، وهو يستحق هذا العقاب فلقد خرج غاضباً ولم يكن يعلم إلى أين ستقوده قدماه.‏

عاد يفكر: التنين من فصيلة الأفاعي، والأفاعي لا تخرج في الشتاء هكذا تعلم من كتاب العلوم، هو آمن إذاً، تذكر التبغ الذي اشتراه، أشعل لفافة واستند بمرفقيه على حديد السور وعاد يفكر:‏

البرد قارس ولا يخرج في البرد سوى الذئاب، ربما هاجمه ذئب الآن سينقض عليه سيفترسه على مهل لن يجد مهرباً من الأنياب والمخالب ستغوص في لحمه الطري وترتد مضرجة بالدماء الساخنة.‏

شعر بلسعة شديدة على سبابته، انتفض، كانت السيكارة التي نسيها بين إصبعيه قد احترقت حتى وصلت حرارة جمرتها إلى أصابعه، أشعل سيكارة أخرى بعد أن رمى الأولى، وراح يعب منها أنفاساً قصيرة متلاحقة.‏

أحس بصدره يختنق تحت وطأة الضباب والدخان والخوف، الخطر ما زال موجوداً، تلفت حوله الجن تخرج في الظلام وهذا الظلام الأبيض ربما يغريها لا بد أن حدثاً جللاً سيحل به فوق هذا الجسر، تمنى لو يغمض عينيه ويقفز عن السور يطير بعيداً حتى يصل إلى أرض ليس ففيها ناس ولا ضباب ولا أحكام يرى نفسه فيها بوضوح يتعلم ماذا يريد وما لا يريد.‏

(إني أبحث عما أرضي به من هم حولي، حتى ما عدت أعرف ما يرضيني، ظللت أعمل ما يريدون حتى تخليت عما أريد.. صحيح، ماذا أريد؟ ما الذي يرضيني؟).‏

أمسك الحديد البارد بقوة، اعتدل في وقفته ثم سار يعد الخطى مشية فارس واثق بنفسه وبقوته، مردداً بصوت مسموع: حسناً سأبحث عما يرضيني، سأبحث عما يرضيني.‏

فجأة، سمع خطوة قوية تدق الجسر، توقف، لم يعد وحيداً، ازداد وقع الخطى وضوحاً، أرهف السمع حبس أنفاسه داخل صدره وحدق في الظلام الأبيض، شاهد شبح أبيه يدنو منه وفي عينيه نظرة الغاضب المؤنب، أسبل ذراعيه على جانبيه، ورمى سيكارته خفية، ثم طأطأ رأسه وسار صامتاً في طريق العودة إلى المنزل.‏
ahmed_you7
ahmed_you7
في طريق التعلم
في طريق التعلم

ذكر
عدد الرسائل : 673
العمر : 32
الموقع : www.bounama.mam9.com
العمل/الترفيه : sport
المزاج : good
تاريخ التسجيل : 21/09/2008

http://www.bounama.mam9.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى